إلى الأخت الكريمة السائلة عن مجموعة لقراءة القرآن وتحديد ورد يومي وبعد القراءة يكتب تم وهل يعد ذلك بدعة أم أنه أمر مباح
أولا من المعلوم في الشرع الحث علي حفظ كتاب الله تعالى ومدارسته والعناية به والعمل بأمره واجتناب نهيه قال تعالي ( ورتل القرآن ترتيلا ) وقد صح عنه صلي الله عليه وسلم فيما رواه البخاري أنه قال ( مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران ) إلي غير ذلك من الأدلة الكثير
ثانيا : ما سألت عنه وهل ما تفعلونه يعد بدعة أم أنه أمر مباح فأولا أريد أن أوضح لك بعض الأمور منها أن حفظ القرآن وقراءته وذكر الله تعالي كل ذلك قد حض عليه الشرع ورغب فيه مطلقا غير مقيد بزمان أو مكان أو صفة مخصوصة إلا ما دل عليه الدليل فإذا قيدنا ما أطلقه الشرع أو أطلقنا ما قيده دون دليل صحيح فقد صارت العبادة من كونها عبادة إلي بدعة إضافية كما قال أهل العلم، قال الشاطبي وهو يقسم البدعة إلى بدعة حقيقية وبدعة إضافية قال البدعة الحقيقية ( هي التي لم يدل عليها دليل شرعي لا من الكتاب ولا من السنة ولا إجماع ولا إستدلال معتبر عند أهل العلم) أي أنها عبادة في الدين مخترعة على غير مثال سابق يقصد بها التقرب لله تعالي.
والبدعة الإضافية (فهي التي لها شائبتان إحداهما لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة والأخرى ليس لها متعلق إلا مثل البدعة الحقيقية ....والفرق بينهما من جهة المعني أن الدليل عليها من جهة الأصل قائم ومن جهة الكيفيات أو الأحوال أو التفاصيل لم يقم عليها مع أنها محتاجة إليه لأن الغالب وقوعها في التعبديات لا في العاديات المحضة ..) الإعتصام للشاطبي رحمه الله، يعينك علي فهم ذلك ما سأذكره لك مختصرا وهو ما أخرجه الدارمي من حديث عمرو بن سلمة ( أن أبا موسي الأشعري رضي الله عنه رأى في المسجد حلقا جلوس ينتظرون الصلاة كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة فسأل عن ذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فوقف عليهم ابن مسعود وقال لهم منكرا عليهم فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ثم قال ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم .....والذي نفسي بيده إنكم لعلي ملة أهدى من ملة محمد (وبيقين ليسوا علي ملة أهدي من ملة الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما هذا تقريع لهم ) أو مفتتحوا باب ضلالة قالوا يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال وكم من مريد للخير لن يصيبه ... ) الحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة
ثانيا أن الأصل في التطوع وذكر الله تعالي والعمل الصالح جملة، الأصل فيه الإخفاء إلا لمصلحة ظاهرة كمن يقتدي به وقد قال تعالي ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) وقد كان السلف الصالح أحرص مايكون علي إخفاء أعمالهم الصالحة المستحبة التي يتطوعون بها وذلك مخافة الرياء أو الإعجاب بالعمل.
وقد سئل الشيخ الفوزان عن مثل سؤالك فقال وإن كان هذا من التعاون علي البر والتقوى إلا أن الأصل أن كل واحد يعمل لله وحده فيذكر الله وحده أو يقرأ وحده لا ينتظر الناس فيقرأ عندما يقرأون ويذكر الله حين يذكرون
وهناك من يقول هذا الأمر مباح وأن ذلك من جملة الوسائل المعينة على حفظ كتاب الله وتلاوته والأصل أن الوسائل للأعمال المشروعة أنها مشروعة إلا إن دل الدليل علي تحريمها
قالوا والوسائل المعينة علي حفظ كتاب الله تعالي وتلاوته ليست من التعبدات المحضة بل هي من الأمور معقولة المعني كما جمع الصحابة القرآن بعد رسول الله تعالى وجزؤوه وحزبوه أحزابا ليسهل حفظه ومراجعته
والذي يظهر أنه إن كان المقصود هو التعبد وقراءة كل واحد لورده فتحرم تلك الصورة وهي أشبه بما فعله الحلق الذين يجلسون وحدهم يأمرهم بالتسبيح ...إلي آخره
ويكتفي بالتذكير بفضل قراءة القرآن وتعاهده وحفظه والعمل بما فيه والتأدب بآدابه من غير إحداث هيئات جديدة في العبادة أو مراعاة متابعة المجموعة كما قال الفوزان الأصل أن يقرأ ويذكر كل وحده ولا ينتظر أحد
تنبيه : يمكن للمربي والمؤدب من والد ووالدة أو الشيخ الذي يؤدب الصغير مثلا أن يتابعه ويتعاهده لأن هذا ما تقتضيه التربية والتأديب